تطبيقات بيع الأدوية في مصر: فوضى الدواء الإلكترونية
لا يحتاج الأمر إلى أكثر من الدخول إلى متجر التطبيقات على هاتفك المحمول، والبحث عن منصات رقمية لبيع الأدوية في مصر، ستجد عشرات الأسماء التي تؤدي جميعها وظيفة واحدة، توصيل الأدوية إلى باب المستخدم، مصحوبة بخصومات متفاوتة لجذب أكبر عدد من العملاء. وعلى رغم اختلاف هذه المنصات في واجهاتها، فإن ما يجمع بينها هو العمل خارج الإطار القانوني من دون تراخيص رسمية.
داخل هذه المنصات لا يبدو أن هناك ما هو محظور من أدوية الجدول إلى العقاقير المخصصة لأصحاب الأمراض المزمنة، مروراً بالأدوية التي تحفظ في الثلاجات، وتتطلب شروط تخزين دقيقة لتفادي تلفها، بينما تبقى هوية الجهة التي تتلقى الطلبات ومصدر هذه الأدوية مجهولين تماماً.
تتبعت “اندبندنت عربية” هذه السوق الإلكترونية الموازية، واستطلعت آراء المتخصصين والجهات الرقابية، لمحاولة الإجابة عن السؤال الأهم: كيف تتاح هذه الأدوية بهذه السهولة، ومن المسؤول عن فوضى الدواء الإلكترونية؟
### لا توجد تطبيقات مرخصة
يحكي محمد الدسوقي تجربته في الحصول على الدواء عبر أحد التطبيقات، “لجأت إلى استخدام التطبيق بعدما بحثت عن الدواء في صيدليات عديدة شهيرة ولم أجده، طلب التطبيق الحصول على الروشتة المكتوبة من قِبل الطبيب المختص فأرفقتها، مع بيانات أخرى نحو اسم المريض وسنه وما إلى ذلك من بيانات اعتبرت شرطاً ضرورياً للحصول على الدواء”. مضيفاً، “في اليوم الثاني، جاءني اتصال من هاتف أرضي يخبرني بأن الدواء متاح، ويمكنني الحصول عليه في عنوان منزلي، الذي طلبت أن يصل الدواء إليه، وبالفعل تسلّمت الدواء من المندوب”.
وبسؤاله عن هل حصل على فاتورة تفيد بأن الدواء صُرف من صيدلية معينة؟ أجاب الدسوقي، “لا، المندوب جاء بالدواء مغلفاً داخل كيس مجهول غير مكتوب عليه أية بيانات تشير إلى مكان الحصول عليه، ولم يمنحني فاتورة تفيد بالصيدلية التي صُرِف منها الدواء”.
يشرح الصيدلي المصري طارق علي الإجراءات التي يلتزم بها قانوناً داخل صيدليته، مقارنة بغياب الاشتراطات التنظيمية على المنصات الرقمية لبيع الأدوية، قائلاً إلى “اندبندنت عربية” “أتعرض للمخالفة في حال وجدت الأدوية التي تستلزم التبريد خارج الثلاجة المخصصة لها، كما ألتزم وضع مقياس حرارة خارجي على الثلاجة”. مشيراً إلى أن الصيدليات تواجه عقوبات تبدأ بغرامة مالية تصل إلى 3 آلاف جنيه (60 دولاراً أميركياً) في المخالفة الأولى، وقد تنتهي بغلق المنشأة.
وتابع علي، “في المقابل، لا تطبق أي من هذه الاشتراطات على التطبيقات الإلكترونية التي لا تدفع ضرائب، ولا يشترط وجود صيدلي مرخص يتولى صرف الدواء والتعامل مع المرضى”. متسائلاً عن مصدر الأدوية التي تروج لها هذه المنصات، “كيف يمكنها تقديم خصومات مبالغ فيها على أدوية تخضع لتسعير جبري؟ ومن أين تحصل على هذه الأدوية وهي غير مرخصة بالتوزيع؟”. موضحاً أن تقنيات الطباعة المتطورة “تجعل من الصعب التفرقة بين عبوات الأدوية الأصلية والمزيفة”.
### من المسؤول؟
من جانبه يؤكد مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية ياسين رجائي، لـ”اندبندنت عربية”، أنه لا توجد تطبيقات مرخصة لبيع الأدوية في مصر أو تمتلك تصريحاً من هيئة الدواء، والشكل الآمن الوحيد للحصول على الأدوية هو شراؤها من الصيدلي داخل الصيدلية، والهيئة لا تعترف بهذه التطبيقات نهائياً.
وحول الخصومات التي تقدمها هذه التطبيقات على الأدوية، قال رجائي، “نحن لا نعترف بأي شيء يقدم عبر هذه التطبيقات، سواء كانت خصومات أو غيرها. من المنطقي أن الدواء يخضع لتسعيرة جبرية، ولا يمكن أن تعرض عليه خصومات. يجب على الجميع الالتزام بالسعر المدون على علبة الدواء من دون زيادة أو نقصان، ومن المنطقي أن نشكك في أي دواء يباع بخصومات أو بأسعار أقل من المعترف بها، خصوصاً أن هوامش الربح محددة، ومن يقدم خصومات يثير تساؤلات حول مصدر هذه الخصومات وهوامش ربحه”.
ويكمل مساعد رئيس هيئة الدواء المصرية، “سواء طلبت هذه التطبيقات من المستخدمين إرسال الروشتة لصرف الدواء أو حتى بطاقاتهم الشخصية، فإن هذا الأمر غير مصرح به، فهل يعلم المستخدم هوية من يتواصل معه عبر التطبيق؟”.
### العمل في الظل
“الصيدليات تخضع لرقابة دورية، ويوجد فيها صيدلي مسؤول يمكن مساءلته، بينما هذه التطبيقات تعمل في الظل، من دون محاسبة، وأصبحت منفذاً رئيساً لتسويق الأدوية المغشوشة، بما يعرض صحة المستخدمين للخطر”. يقول رمزي، ويتساءل “إذا كانت هذه الأدوية آمنة، فلماذا لم تحصل على ترخيص من هيئة الدواء?”، معتبراً أن وجود هذه التطبيقات يمثل مخالفة واضحة لأخلاقيات المهنة ولأحكام قانون النقابة. محذراً أن بعض الشركات تستخدم هذه التطبيقات “أداة لجمع بيانات العملاء، ثم تقوم بتوصيل الأدوية إليهم مباشرة من دون المرور على أي صيدلية مرخصة، في انتهاك صريح لمنظومة الدواء المعتمدة في البلاد”.
يلفت مدير المركز المصري للحق في الدواء محمود فؤاد إلى أن هذه المنصات انتشرت بصورة واسعة ومخيفة، واعترضنا في جلسة استماع بمجلس النواب في أغسطس (آب) 2023 على استمرار وجودها، وطرحت تساؤلات، من بينها “هل تمتلك هذه التطبيقات سجلاً تجارياً أو بطاقة ضريبية، وهل تخزن الأدوية وتوزعها بطريقة آمنة؟”. مشيراً إلى أن الأدوية التي يجري الترويج لها عبر هذه المنصات “مجهولة المصدر”، لافتاً إلى استخدامها أساليب تبدو قانونية، مثل دعوة المستخدمين لإرسال (الروشتة) لصرف الأدوية وتوصيلها إلى المنزل، وهو ما عده فؤاد ممارسة غير قانونية.
وأضاف أن المركز رصد خلال الفترة الأخيرة أكثر من 11 تطبيقاً تنشط في هذا المجال، بعضها تابع لشركات أدوية، بينما ينتمي البعض الآخر إلى كيانات تجارية لا تتوفر عنها معلومات واضحة، وهذه الممارسات تمثل “جريمة إلكترونية”. معتبراً أن ما يجري هو بيزنس ضخم يتطلب مواجهة حاسمة وتغليظ العقوبات في حق المسؤولين عنها.