صادرات الصين تسجل نمواً حاداً رغم رسوم “يوم التحرير” الأميركية
سجلت صادرات الصين نمواً حاداً في أبريل الماضي، رغم رسوم “يوم التحرير” التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترمب على الشحنات المتجهة إلى الولايات المتحدة، ما يعزز موقف بكين قبل مفاوضات تجارية حاسمة من المقرر أن تبدأ السبت في سويسرا، إلا أنه يسلط الضوء على تحول في خريطة التجارة العالمية.
وبحسب صحيفة “فاينانشيال تايمز”، فإن هذا الأداء القوي، جاء في وقت حوّلت فيه الشركات الصينية تدفقاتها التجارية إلى جنوب شرق آسيا وأوروبا ووجهات أخرى، عقب فرض رسوم جمركية باهظة بين أكبر اقتصادين في العالم.
وقالت الجمارك الصينية في بيان، الجمعة، إن صادرات الصين ارتفعت بنسبة 8.1% مقارنة بالعام السابق، متجاوزةً توقعات المحللين في استطلاع أجرته “رويترز” بنمو قدره 1.9%، لكنها تباطأت من نمو قدره 12.4% في مارس الماضي، عندما تعززت الأرقام بفضل سعي المصدرين إلى استباق الرسوم الجمركية المتوقعة من خلال شحن البضائع إلى الولايات المتحدة مسبقاً.
وأظهرت الإحصاءات الجديدة، انكماشاً في الواردات بنسبة 0.2% في أبريل، وهو الشهر الثالث على التوالي من الانخفاضات، ما يزيد من المخاوف بشأن الفوائض التجارية المتنامية للصين والتي تُعدّ مصدراً لكثير من التوترات مع الولايات المتحدة.
الرد الأميركي
ورفع ترمب الشهر الماضي الرسوم الجمركية على معظم السلع الصينية، إلى ما يصل إلى 145%، وقال إنه سيفرض رسوماً جديدة حتى على الطرود الصغيرة القادمة من الصين، فيما ردت بكين برسوم جمركية بنسبة 125%.
كما فرض ترمب في البداية رسوماً جمركية عقابية على فيتنام وتايلندا ودول أخرى في جنوب شرق آسيا حققت فوائض تجارية ضخمة مع الولايات المتحدة، وقد بنت العديد من الشركات قواعد تصنيع في تلك الدول كبديل للصين.
وأعلن ترمب لاحقاً، تعليقاً مؤقتاً لمدة 90 يوماً لرسوم “يوم التحرير” في انتظار المفاوضات مع معظم الدول باستثناء الصين، ما أعاد فتح إمكانية قيام المصدرين بتوجيه بضائعهم إلى الولايات المتحدة عبر جنوب شرق آسيا.
آثار الرسوم الجمركية
وبلغ فائض الصين التجاري مع الولايات المتحدة 20.46 مليار دولار في أبريل، و96.2 مليار دولار بالمجمل، لكن الشحنات إلى الولايات المتحدة انخفضت بنسبة 17.6% مقارنة بالشهر السابق، ما يشير إلى أن الصين زادت تجارتها مع أسواق بديلة.
في الإطار، قالت لين سونج، كبيرة الاقتصاديين لشؤون الصين الكبرى في بنك ING: “يبدو الوضع أسوأ بالنسبة للولايات المتحدة قبل بدء محادثات التجارة”، مضيفةً أن انكماش الواردات الصينية يبدو أنه جاء على حساب الصادرات الأميركية إلى البلاد.
بدوره، قال هيرون ليم، الخبير الاقتصادي في “موديز أناليتيكس”، إنه في حين انخفضت تجارة الصين مع الولايات المتحدة بنسبة 21% على أساس سنوي في أبريل، إلا أنها ارتفعت بنسبة مساوية مع دول جنوب شرق آسيا و8% مع الاتحاد الأوروبي.
وأضاف ليم: “كانت أكبر الزيادات في الشحنات الصادرة إلى إندونيسيا وتايلندا وفيتنام”.
تأثير على الأسواق العالمية
من جانبه، قال ينس إسكلوند، رئيس غرفة تجارة الاتحاد الأوروبي في الصين، الخميس، إن حجوزات الشحنات الصينية إلى الولايات المتحدة انخفضت بنسبة تتراوح بين 30 و50%، لكنه أشار إلى أن الحجوزات إلى بقية العالم آخذة في الارتفاع.
وأضاف: “يبدو أن أداء الصادرات الصينية إلى بقية آسيا قوي بشكل خاص، وكذلك إلى الشرق الأوسط، وإلى حد ما إلى أوروبا أيضاً (…) بالطبع، تتأثر الصين لكننا نرى أسواقاً أخرى قادرة إلى حد ما على الحصول على بعض السلع التي لا تذهب إلى الولايات المتحدة”.
وأشار مسؤولو الجمارك، إلى أن التجارة قد نمت مع دول جنوب شرق آسيا والاتحاد الأوروبي ودول مبادرة الحزام والطريق، وهي مبادرة بكين الرائدة في مجال البنية التحتية الدولية، فيما أضافوا أن التجارة مع الولايات المتحدة قد انخفضت.
وشهدت صادرات الصين، إلى دول مثل فيتنام وتايلندا وإندونيسيا، زيادات كبيرة في أبريل بنسب 23% و28% و37% على التوالي مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي.
التوازن التجاري
وانتقد خورخي توليدو، سفير الاتحاد الأوروبي لدى الصين، اختلال التوازن التجاري المتفاقم بين الصين والتكتل الأوروبي، مضيفاً أن هناك “قلقاً بالغاً” بشأن ضوابط التصدير التي تفرضها بكين وغياب تكافؤ الفرص للشركات الأوروبية.
وقال لو داليانج، الناطق باسم الجمارك، إن “تعاون الصين الشامل مع الدول المجاورة يتعمق باستمرار، وأن العلاقات الاقتصادية والتجارية أصبحت وثيقة بشكل متزايد”، وفقاً لوكالة أنباء الصين الرسمية (شينخوا).
ورغم النمو الذي سجلته الصادرات الصينية في أبريل، فإن هذا يمثل تباطؤاً مقارنةً بمعدل النمو البالغ 12.4% في مارس الماضي، لكنه يتجاوز بكثير معدل النمو البالغ 2.5% الذي توقعه الاقتصاديون الذين تم استطلاع آرائهم من قبل “وول ستريت جورنال”.
وقالت الصحيفة، إن مثل هذا الانكماش في الصادرات قد يصعّب على الصين تحقيق هدفها الرسمي في نمو الناتج المحلي الإجمالي بنحو 5% هذا العام، خاصةً وأن الصادرات شكّلت ما يقرب من ثلث نمو الناتج المحلي الإجمالي في العام الماضي، ويتوقع العديد من الخبراء أن النمو الاقتصادي للصين في 2025 سيكون قريباً من 4% أو أقل.
وفي الوقت نفسه، أعربت الشركات الأميركية عن قلقها من احتمال نفاد البضائع من رفوف المتاجر في المستقبل القريب، بينما توقفت المصانع في الصين عن الإنتاج وبدأ بعضها في منح إجازات للعمال بسبب انخفاض الطلب، وقد قدّرت “جولدمان ساكس” أن هناك نحو 16 مليون وظيفة في الصين ترتبط بإنتاج السلع الموجهة إلى الولايات المتحدة، وهذه الوظائف قد تكون مهددة في حال استمرار الجمود التجاري بين البلدين.
ورغم عدم ظهور التأثير الكامل للتعريفات الجمركية في الإحصاءات الرسمية للاقتصاد الصيني، فإن بعض المحللين يعتقدون أن إجمالي صادرات بكين قد يظل صامداً في ظل سعي بعض المصنعين الصينيين إلى تحويل بضائعهم من الولايات المتحدة إلى دول أخرى، لا سيما الدول التي تتمتع حالياً بوقف لمدة 90 يوماً للتعريفات المتبادلة من الولايات المتحدة.