الديوانية الكويتية: فضاء سياسي غير منتخب
في الكويت، لا يُقاس النبض السياسي بعدد المقاعد تحت قبة البرلمان، ولا يُختزل الرأي العام في جدول جلسة مؤجلة. فحتى حين يُعلّق مجلس الأمة وتُجمَّد جلساته، تبقى السياسة حيّة، تتنفس بين زوايا البيوت وتحت أسقف الطين والخرسانة، حيث تستمر الحياة البرلمانية بشكل مختلف…
برلمان غير منتخب يصنع الرأي العام
لم تعد الديوانية في الكويت مجرّد مجلس ضيافة، بل تحوّلت إلى فضاء مؤثر في صناعة الرأي العام ومناقشة القضايا السياسية، خصوصاً في فترات الانتخابات والأزمات الوطنية. تجاوزت دورها التقليدي لتغدو منبراً مفتوحاً يعبّر فيه الكويتيون، من مختلف الفئات، عن آرائهم وتوجهاتهم، من دون أن تخضع لسلطة الكتل أو قيود اللوائح، حاضرة في كل حي، ومتصلة بنبض الشارع.
في هذا الفضاء المفتوح، تُصاغ الآراء وتُناقش القضايا وتُروى الحكايات، وتُعبّر الأسر عن همومها وتطلعاتها. لطالما شكّلت الديوانيات جسراً مباشراً بين الأسرة الحاكمة والمواطنين، حيث تُطرح الأسئلة، وتُستمع الشكاوى بعيداً عن الرسميات، مما عزز ثقة الشارع السياسي في هذا الفضاء التقليدي.
تحولات جذرية
في حديث خاص، قدم مؤلف كتاب "الديوانية الكويتية" رؤيته حول تأثير الدواوين، مؤكداً أنها تجاوزت إطارها التقليدي كمجلس ضيافة، لتغدو مؤسسة اجتماعية غير رسمية تؤدي أدواراً سياسية وثقافية بارزة.
الدور السياسي
وفي معرض حديثه عن العوامل التي دفعت الديوانية للعب دور سياسي بارز، أشار إلى أن غياب المؤسسات الديمقراطية القوية في بعض المراحل، والطبيعة المفتوحة للديوانية، وظهور الحركات الوطنية، كلها عوامل أسهمت في ترسيخ مكانتها كبديل شعبي غير رسمي عن البرلمان.
حين تحدّثت الديوانية باسم الشعب
في أواخر ثمانينيات القرن الماضي، ومع تجميد الحياة البرلمانية ورفض السلطة استقبال العرائض الشعبية، عاشت الكويت واحدة من أكثر مراحلها السياسية حساسية. واجه النواب تساؤلات ضاغطة من الشارع، بينما جوبهت مذكراتهم بالتجاهل.
منبراً للنقاش لمن لا منبر له
يقول المحلل السياسي الكويتي عايد المناع إن "الديوانية لطالما كانت منبراً للنقاش في مختلف القضايا، بدءاً من المسائل القبلية والتهديدات الأمنية في مراحل تاريخية مبكرة، وصولاً إلى القضايا النقابية والعمالية، بل وحتى الملفات السياسية الكبرى كقضايا الانتخابات والمواقف العامة والاحتجاجات.
دراسة بحثية
في واحدة من أبرز الدراسات الأكاديمية التي تسلط الضوء على البنية السياسية والاجتماعية للمجتمع الكويتي، كشف الباحث يعقوب الكندري عن البعد السياسي العميق للديوانية الكويتية، باعتبارها حجر الزاوية في العملية الانتخابية، ومفتاحاً فعلياً لولوج المرشحين إلى مجلسَي الأمة والبلدي.
ويوضح الكندري أن خصوصية التجربة الكويتية تكمن في التوازن الذي نشأ بين السلطة السياسية ممثلة بآل صباح والسلطة الاقتصادية المتمثلة بكبار التجار، ما أفرز ديوانيات لكل طرف، وأسهم في ترسيخ مبدأ الشراكة المجتمعية غير الرسمية. ويضيف: "من يمتلك ديوانية مؤثرة، يمتلك مكانة سياسية واجتماعية".