الدلالة الامتحانية تؤكد على قيمتين نبيلتين في ذهن فلذات الأكباد في مختلف السلم التعليمي بجميع درجاته، وهما الصدق مع النفس، والأمانة مع الذات؛ ومن ثم يعد التمسك بهما من مقومات بناء الإنسان الذي يسلك طريق الصواب في شتى ممارساته، سواءً أكانت تعليمية أم عملية، أم حياتية، وهذا مؤداها تكاملية التقارب نحو الصلاح، والبعد عن النقائص التي تضير بمعتقد الفرد، وتجعله يبرر لسلوك غير قويم في كافة ما يؤديه.
الانضباط الامتحاني ينبع من كينونة المتعلم؛ فتراه يجتهد، ويقوم بما عليه من مهام تجاه استذكار المواد الدراسية، التي يختبر فيها، وعندما يجلس في المكان المخصص له وفق الموعد المعلن؛ فإنه يركز على ما جاء من أسئلة حول المادة التعليمية، ويقرأ فحواها مرة، أو أكثر، ثم يستحضر ذاكرته؛ ليبدأ بالسؤال الذي يجب عنه باستفاضة؛ ليصبح حافرًا له، إلى أن ينتهي من جميع الأسئلة الواجب أن يجيب عنها في ضوء ما ورد من تعليمات على الورقة الامتحانية.
التزام المتعلم بضوابط الامتحان، وتعليماته المعلنة سلفًا، لها أثر طيب في خلق مناخ يتسم بالهدوء، ويسهم في تركيز الجميع أثناء انعقاد العملية الامتحانية بالمؤسسات التعليمية المعنية بهذا الأمر، وانتهاك الفرد لتلك الضوابط يشيع حالة من الارتباك، التي قد ينتج عن أثرها تشتيت بعض الطلاب أثناء الامتحان، وهنالك إجراءات متبعة تتخذ حيال من يقوم بالإخلال بالنظام الامتحاني وفق اللائحة المنصوص عليها.
الانضباط الامتحاني سياج يحمي ماهية تكافؤ الفرص التعليمية لدى الأبناء بمتنوع السلم التعليمي بدرجاته المختلفة؛ إذ يثق المتعلم في عدالة المنظومة، وأن الجميع على مسافة واحدة من المعيار التقييمي الكائن في صورة الامتحان، وهذا في حد ذاته يخلق بيئة تعزز تحمل المسئولية من قبل جميع منتسبي المؤسسة، سواءً من الطلاب، أم القائمين على إدارة شئون العملية الامتحانية برمّتها؛ فكل فرد يعي ما له، وما عليه من حقوق، وواجبات بشكل واضح.
في ظل الانضباط الامتحاني يدرك الفرد ماهية الجد، والاجتهاد، ويسعى دومًا؛ كي يحقق مستهدفاته، ويعمق من خبراته؛ ليصبح متفردًا في ضوء ما يمتلك من جديد الخبرات، كما يتفهم أن القياس لمستويات تحصيله قائمة على أداة مقننة من شأنها أن تصنف جميع المتعلمين في ضوء محكات بعينها، وهنا لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل هناك مرحلة تدعم عمليات التطوير، والتحسين خاصة بكافة عناصر العملية التعليمية.
يسهم الانضباط الامتحاني في تغذية وجدان الفرد بقيم راقية منها الصبر، والمثابرة؛ كي يبلغ المُنى، ومنها الجد، والاجتهاد، والدأب من أجل حب الاستطلاع العلمي، والتعمق في ثنايا الخبرات المتعلمة، ومنها العزيمة، والإصرار؛ كي ينهي واجباته، ويؤدي ما عليه من مهام، سواءً على المستوى الأكاديمي، أو الحياتي، ومنها ألا يجعل قوس منزع يتسرب منه الإهمال، أو العزوف عن استكمال البناء الفكري لديه؛ فتجد أن طاقاته متجددة على الدوام.
علينا أن نعزز ثقافة الانضباط الامتحاني في أذهان فلذات أكبادنا، بل ولدى كافة أطياف المجتمع؛ ليدرك الجميع أن هذا يتناغم مع غايات الدولة العليا؛ حيث يصبح لدينا نتاجًا تعليميًا متميزًا من خلال ما يمتلكه من خبرات عميقة، يستطيع من خلالها أن يفي باحتياجات ومتطلبات سوق العمل المتغير، ويواكب المتغيرات التي أضحت مؤثرة في نمط الحياة ووتيرتها، ويأتي في مقدمتها التطور التقني المتعدد المجالات.
الانضباط الامتحاني يؤكد للمتعلم أنه أحد أدوات بناء المجتمع؛ فقدرته على التميز، أو التفرد، أو العطاء في مجال ما يعني أنه مشاركًا في نهضة وطنه، وأنه أحد المكونات الأصيلة لقاطرة الارتقاء بمقدرات البلاد؛ ومن ثم يعمل على ريادتها، وازدهارها.. ودي ومحبتي لوطني وللجميع.
_____
* أستاذ ورئيس قسم المناهج وطرق التدريس
كلية التربية بنين بالقاهرة _ جامعة الأزهر