منذ انتخابِي الأول رئيساً للصومال في عام 2012، تعرَّضتُ لست محاولاتِ اغتيال من قبل «جماعة الشباب» الإرهابية، كان آخرها في 18 مارس (آذار) 2025 في مقديشو. في ذلك اليوم، وبينما كنت في طريقي إلى المطار للانضمام إلى قواتنا البطلة على الخطوط الأمامية، حاول الإرهابيون عرقلة رحلتي عبر استخدام عبواتٍ ناسفة. ولكن، بفضل الله تعالَى ويقظة قواتنا الأمنية، فشلَ مخططُهم، كما فشلوا في جميع محاولاتهم السابقة.
إنَّ هذه المحاولات المستمرة لاغتيالي لا تعبّر عن استهدافٍ شخصي بقدر ما تعكس إدراكَ العدوّ لطبيعة المشروع الوطني الذي نحمله: مشروع إنقاذِ الصومال من الإرهاب، وبناء مستقبلٍ مستقر لشعبه وللمنطقة بأسرها. لقد أدركتْ «جماعة الشباب» أنَّ القضاء عليها، وعلى نظيراتها من الجماعات الإرهابية، لا يعني فقط تحرير الصومال، بل يؤسس كذلك لأمن واستقرار القرن الأفريقي وجواره الإقليمي، وهو ما يمثل تهديداً وجودياً لها.
منذ تسلُّمي المنصب للمرة الثانية في عام 2022، جعلتُ من أولوياتي نقلَ المعركة إلى قلب تنظيمي «الشباب» و«داعش» الإرهابيين. واستراتيجيتنا كانت شاملة، حيث واجهناهما على جبهتين أساسيتين: الفكر والمال.
فعلى الصعيدِ الفكري، عملنا مع أكثر من 300 من كبار العلماء والدعاة على كشف زيفِ الخطاب الذي تتبنَّاه هذه الجماعات، مؤكدين أنَّ الإسلامَ بريءٌ من جرائمها. ومن خلال الحملات الإعلامية والبرامج التوعوية، بدأ الشعبُ الصومالي المسالمُ يستعيد وعيه ويرفض التَّطرفَ بكل أشكاله.
أمَّا على الصعيد المالي، فقد انتهجنا سياسة صارمة لتجفيف مصادر تمويل الإرهاب. أغلقنا مئاتِ الحسابات البنكية المشبوهة، وأوقفنا شبكاتِ تحصيل الأموال التي كانت الجماعات تستخدمُها لابتزاز المواطنين والمؤسسات التجارية. بفضل هذه الجهود، تمكَّنت قواتنا المسلحة من تطهير مناطقَ واسعة من البلاد من الجماعات الإرهابية. ورغم التحديات الجسيمة والخسائر، فإنَّ إرادتنا صلبة، وتقدُّمَنا ملموسٌ، ولا نزال نحقّق انتصاراتٍ متتالية.
إنَّ معركتنا ضد الإرهاب ليست معركة محلية فحسب، بل هي معركة من أجل سلام المنطقة واستقرارها بأسرها. فالإرهاب لا يعترفُ بالحدود، والانتصار عليه في الصومال يعني تجفيف منابعه قبل أن تهدد جيرانَنا والعالم.
ولا يخفَى على أحدٍ الأهمية الاستراتيجية لمنطقة البحر الأحمر وخليج عدن على الصعيدين الأمني والاقتصادي العالمي. وهي منطقة تنشط فيها جماعاتٌ إرهابية عديدة، أبرزها «القاعدة»، و«الشباب»، و«داعش»، و«الحوثي»، التي – رغم خلافاتها الظاهرة – تتحالف سراً وتتبادل الأدوارَ ضد دول المنطقة، بما فيها الصومالُ والمملكة العربية السعودية ودول الخليج عامة.
وإدراكاً منا لهذه التهديدات، وقفنا إلى جانب أشقائنا في المملكة العربية السعودية منذ اليوم الأول ضمن التحالف الإسلامي لمكافحة الإرهاب الحوثي، الذي استهدف المملكة ومكانتَها القيادية والدينية والاقتصادية، كما استهدف الشعبَ اليمني عبر رهنِه للنفوذ الأجنبي.
وقد رصدت أجهزتُنا الاستخبارية مؤخراً تواصلاً مستمراً بين جماعة الحوثي في اليمن وكل من تنظيمي «داعش» و«الشباب» في الصومال، تطوَّر إلى تبادل شحنات الأسلحة والخبرات. وقد تمكَّنا من اعتراض ومصادرة شحنات متفجراتٍ وطائراتٍ مسيّرة قادمة من اليمن إلى الصومال، وألقينا القبضَ على شبكة من المهربين.
ميدانياً، نخوض حرباً ضارية على جبهتين رئيسيتين: الجبهة الأولى تقع في جبال «علمسكاد» وسلسلة جبال «غوليس» المحاذية لخليج عدن شمال شرقي البلاد، حيث تحقّق قواتنا انتصاراتٍ متتالية، لكنَّها بحاجة إلى دعم دول المنطقة كي لا يتحوَّل خليج عدن إلى منطقة نفوذ للجماعات الإرهابية.
أمَّا الجبهة الثانية، فهي وسط البلاد، وتحديداً على ضفاف نهر شبيلي، حيث يخوض جيشُنا معاركَ حاسمة منذ سنوات بدعم من قوات الاتحاد الأفريقي، لمنع «جماعة الشباب» الإرهابية من السيطرة على السواحل الصومالية الممتدة على المحيط الهندي. ونحن نحرزُ تقدماً مهماً هناك.
يسعى الإرهابيون للسيطرة على المياه البحرية الحيوية سواء في خليج عدن أو على سواحل المحيط الهندي، وهما يمثلان شريانين حيويين للمنطقة والعالم. وعليه، فإنَّ القضاءَ على الجماعات الإرهابية في هاتين المنطقتين هو الذي سيرسم مستقبلَنا الأمني والاقتصادي المشترك بوصفنا دولاً تطل على البحر الأحمر وخليج عدن، لمنع انتشار الحريق الإرهابي إلى مناطق أخرى.
لقد دفعنا ثمناً باهظاً، وقطعنا طريقاً صعباً، لكنَّنا نؤمن بأنَّ النهاية تستحق كلَّ هذا العناء. وبإذن الله، وبعزيمة شعبنا، ودعم أصدقائنا، سنمضي قُدماً حتى نرى صومالاً جديداً آمناً، يكون ركيزة للسلام الإقليمي والدولي.
إنَّ تحقيق الأمن والسلام في الصومال جزءٌ لا يتجزأ من تحقيق الاستقرار الإقليمي في البحر الأحمر وخليج عدن. وبينما نواصل جهودَنا الحثيثة لمكافحة الإرهاب، نمدُّ أيدينا إلى شركائنا وأشقائنا في المنطقة والعالم لدعم هذه الجهود، مؤمنين بأنَّ أمن البحر الأحمر وخليج عدن مسؤولية جماعية تتطلب التعاون والتكامل بين جميع دول المنطقة.
* رئيس جمهورية الصومال الفيدرالية