تطورت فلسفة الحرية في المجتمعات الغربية منذ أواخر القرن السابع عشر وأوائل القرن الثامن عشر، في ظل دعوات الحرية التي أعلنها جون مليتون وجون لوك وفولتير وروسو وتوماس جيفرسون، ولم يكن الإعلام وسائله بمعزل عن تأثير هذا التيار، وخلال القرن العشرين اتضح أن حرية وسائل الإعلام تنطوي على بعض المخاطر، فرغم أن الهدف النهائي من هذه الحرية هو تحقيق الصالح العام، إلا أن ممارسات وسائل الإعلام خلال القرن التاسع عشر والعشرين قد ضحت بمسئوليتها تجاه المجتمع في سبيل تحقيق أقصى قدر من الأرباح، والعمل على إلهاء الناس بدلا من تقديم الإعلام والثقافة والتسلية المفيدة لهم.
أما مفهوم المسؤولية الاجتماعية وفقا للدلالة اللغوية كما حدده Warn فيعنى “وعى الإنسان بأن عليه التصرف تبعا لمعايير اجتماعية، وأنه معرض للعقاب إذا انتهك محظورات التوجيه الإجتماعى، أو هو الاتجاه للإذعان العام للتوجيهات والموانع الاجتماعية”.
ووفقا ل Steiner فقد شهدت المجتمعات الغربية منذ الخمسينيات وحتى الآن عدة اتجاهات تعبر عن مفهوم المسؤولية الاجتماعية اتخذت مسميات مختلفة وهى: وصاية الإدارة أو المؤسسة على مصالح الجماهير فيما يسمى بضمير المنشأة.
وأخلاقيات الإدارة وتقوم على ضرورة التزام رجال الإدارة بالمعايير الأخلاقية.
وتوازن القوى وتقوم على أن تزايد المشروعات يتطلب من المجموعات الأخرى في المجتمع أن تحمى نفسها من هذه القوة، وذلك بتدخل الحكومة أو مؤسسات المجتمع المدني للعمل على تحقيق التوازن بين قوى المجتمع المختلفة.
فإعادة تشكيل الأخلاقيات الرأسمالية ويحث هذا الاتجاه رجال الإدارة على موائمة أعمال مشروعاتهم مع القيم الأخلاقية فيما يعرف بالمسئولية الاجتماعية للشركات و رأس المال.
ومراعاة المصلحة العامة للمجتمع Public Interest ويقوم هذا المفهوم على احترام حقوق الجماهير ومراعاة المصلحة العامة.
ومن هنا يأتي تطور مفهوم المسؤولية الاجتماعية للأداء الإعلامي:
فقد شهدت الساحات الإعلامية والثقافية حوارات واسعة حول هذا المفهوم، وأنتجت هذه الحوارات ما يعرف “بنظرية المسئولية الاجتماعية للإعلام” التي حددت مضامين جديدة للوظائف والمعايير والقيم المهنية كاحترام الخصوصية و تجنب صراع المصادر وصراع المصالح وتبنى القضايا المجتمعية، والعمل على التحول من مستوى التصادم بين الآراء إلى مستوى النقاش الموضوعي البعيد عن الانفعال والتفريق في الممارسة بين الإلزام والالتزام، ثم العلاقة بين الحرية والمسؤولية.
وقد تطور مفهوم المسؤولية الاجتماعية للإعلام بتطور النظريات المفسرة لدور الإعلام ومهامه في العصر الحديث، حيث نشأ هذا المفهوم وتطور مع التطورات التي شهدتها المجتمعات الغربية في الفترات الزمنية المختلفة ما بين النظرية السلطوية الاجتماعية ونظرية الليبرالية الاجتماعية التي تعمل بحد أدنى من رقابة الدولة، ونظرية المركزية الاجتماعية التي تعتمد على الملكية العامة لوسائل الإعلام التي تتأكد من خلالها قيم التعدد والتنافس وفى الثمانينيات أضاف “هاكتن” النظرية التنموية بديلا لمفهوم المسئولية الاجتماعية، حيث تحتل الأهداف التنموية (الاجتماعية و الاقتصادية) مكانة متقدمة في أولويات العمل الإعلامي وفقا لهذا المفهوم.
أما آخر النظريات المفسرة للدور والوظيفة الاجتماعية لوسائل الإعلام فتتمثل في “نظرية المشاركة الديمقراطية للإعلام والاتصال” وهو المفهوم الذي تبنته الدول الأوروبية التي اختارت نظام الملكية العامة لوسائل الإعلام، حيث اعتمدت هذا المفهوم كبديل أكثر تحررا من مفهوم المسئولية الاجتماعية والذي يرفض مبدأ المركزية، ويقدم فرصا أكبر للمشاركة المجتمعية وتشجيع التعددية المحلية والتفاعل بين أطراف العملية الاتصالية و يعبر عن اهتمام وسائل الإعلام بصورة أكبر بالحياة الاجتماعية و تلبية احتياجات ومصالح المجتمع المحلى والتعبير عنه.
وهناك أنواع من الالتزام الإعلامي وفقا للمسئولية الاجتماعية ومن حيث الدلالة اللغوية لمفهوم الالتزام بالحوار الإيجابي وفقا للمسؤولية، ويمكن التمييز بين عدة معان ومستويات لهذه المسؤولية كالتالي: الاتصال الملتزم وفقا للمسؤولية الوجوبية وفق هذا المعيار تكون المسؤولية محددة من قبل قوة سائدة دون توازن، أي مسؤولية الأدنى تجاه الأعلى.
ثم الاتصال الملتزم وتفاوضية المسؤولية التعاقدية ويتمتع أطرافها بالتساوي في القوة والسلطة وخيارات الواجبات والمسؤوليات، سواء بشكل رسمي أو غير رسمي.
والاتصال الملتزم وفقا للمسؤولية الذاتية، وهى ليست أقل إلزاما من المستويات الأخرى، بسبب غياب السلطة الخارجية أو العقد الملزم، وقد تكون المسؤولية الذاتية أقوى من النوعيات الأخرى من المسؤولية، وهو ما يثير عدة تساؤلات هامة ينبغي البحث عن إجابة عنها.. وهي عن علاقة الإعلاميين بوسائل الإعلام كمصدر للمعلومات في القضايا ووسائل الإعلام التي يفضل القائم بالاتصال الملتزم اللجوء إليها كمصدر للمعلومات مع تنوع وسائل الاعلام الخاصة بالمضمون والشكل.
ودرجة تعرض القائم بالاتصال الملتزم لوسائل الإعلام كمصدر للمعلومات:
وتتباين درجة التعرض حسب المتغيرات الديموجرافية والفروق الفردية للقائم بالاتصال، وكذلك درجة إيمانه واقتناعه بالقضية.
ومفهوم المسئولية الاجتماعية للأداء الإعلامي من وجهة نظر القائم بالاتصال الملتزم بالمسئولية.
ويتبياين المفهوم من حيث الإلتزام الوجوبي والتعاقدي والذاتي وأبرز أنواع القضايا التي يتم فيها تطبيق المسئولية الاجتماعية للأداء الإعلامي من وجهة نظر القائم بالاتصال.
والموضوعات الاجتماعية هي الأبرز في مسالة الالتزام في تطبيق مفهوم المسئولية الاجتماعية للأداء الإعلامي من وجهة نظر القائم بالاتصال.
وهناك أسباب لعدم تطبيق مفهوم المسئولية الاجتماعية للأداء الإعلامي من وجهة نظر القائم بالاتصال..
منها درجة الوعي والإيمان بالقضية المطروحة وبأهداف الحوار.
كما يختلف التأثير حسب نوع ملكية المنصة من حكومي أو مستقل.
ودرجة ونوع الضوابط الأخلاقية والقانونية، ودرجة إلزام الضوابط الأخلاقية والقانونية لتطبيق المسئولية الاجتماعية للأداء الإعلامي.
فهناك علاقة ارتباط إيجابية بين درجة الوعي بمفهوم الالتزام بالمسئولية الاجتماعية ودرجة الممارسة التطبيقية لها لدى القائم بالاتصال، إلا أنه لا يكفي الوعي بمفهوم المسئولية الاجتماعية ودرجة تطبيقه، حيث إن هناك العديد من العوامل التي تؤثر في درجة التطبيق وفاعليته، كما أوضحت الدراسة ومنها: أنه لا يوجد تعريفات ثابتة ومتفق عليها للمعايير التي تحدد مفهوم المسؤولية الاجتماعية.
وفي ضوء ماسبق فإن موضوع الالتزام الإعلامي بالمسئولية المجتمعية لتحقيق أهداف محددة ينبغي النظر إليها بمزيد من الإهتمام في إطار قضايا الاتصال الملتزم، والذي يجب أن يتم تعزيزه بطرق اكثرمنهجية وواقعية في إطار بيئة مساندة لتعزيز القيم، ومنها التأكيد على أن حرية وسائل الإعلام تعني توافر مقومات العمل الإعلامي وفي مقدمتها حرية الوصول إلى المعلومات، والحق في ملكية الوسائل الإعلامية وإصدارها، وتوزيعها إلا أن ذلك لابد إن يتماشى مع تعزيز مفهوم المسئولية الاجتماعية للأداء الإعلامي الملتزم، والتأكيد على أن هذه المسئولية تنبع من ارتباطها بهموم وقضايا الشعوب ومن قدرتها الذاتية على محاسبة الخارجين على أصول المهنة وآدابها.
والتأكيد على نبذ صحافة الابتذال والابتزاز والمبالغة والتشهير واستنكار كل مظاهر الإعلام التي تقوم على استغلال الجريمة وانتهاك حرمة الحياة الخاصة، والتصدي لهذه الممارسات لمنع إفلاتها من العقوبة.
مع دعوة النقابات والاتحادات والمنظمات الإعلامية إلى الاضطلاع بمسئولية الرصد السريع لتجاوزات حرية وسائل الإعلام في البلدان العربية وتشجيع المبادرات الخاصة بتعاون هذه المنظمات في إنشاء شبكة الرصد وتبادل المعلومات مع إعطاء الأولوية لتبني برامج تدريب وتثقيف مهنية خاصة للإعلاميين تعالج موضوعات الإعلام المسئول، والاهتمام بتنمية المهارات والقدرات المهنية بما يواكب تقنيات الاتصال الحديثة وآليات الرصد الإعلامي المتطورة، ودعم ونشر الأعمال الإعلامية والفكرية الهادفة إلى نشر ثقافة الحرية، بما لا يتناقض مع المنظومة الفكرية والقيمية للمجتمع المصري والعربي، مع الدعوة للدور الإعلامي في تعزيز حصانة المجتمع في هذه المنظومة، والمساهمة في دفع عمليات الإصلاح والتنوير داخل المجتمع.
وهنا تتحقق المعادلة الصعبة التي تحقق التوازن بين طرفي الجودة الإعلامية وهما الحرية الإعلامية والمسئولية المجتمعية من أجل صالح وتقدم المجتمع.