يعتقد البعض أن تاريخ حفر قناة السويس يعود إلى 1859 والافتتاح كان فى 1869، ولكن الحقيقة أن فكرة حفر القناة تعود إلى 1880 قبل الميلاد، أى منذ أكثر من 3900 سنة، لم تكن حينها أمم من التى تتباهى بقدراتها وعظمتها الآن، موجودة من الأصل على الخريطة الجغرافية، فعلى سبيل المثال، الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت تأسيسها فى الرابع من يوليو 1776 وحظيت باعتراف دولى فى سبتمبر 1783 أى منذ 242 سنة فقط دشنت اسمها على الخريطة الجغرافية، من فوق أشلاء شعب كامل أُبيد «الهنود الحمر»!
التاريخ شاهد، حاضر، ماكر، تسرد صفحاته أن أول من فكر فى ربط البحرين الأبيض والأحمر، بطريق غير مباشر، عن طريق النيل وفروعه هو الملك سنوسرت الثالث، من الأسرة الثانية عشرة، وذلك فى الفترة ما بين 1878 و1839 قبل الميلاد، بهدف توطيد التجارة وتيسير المواصلات بين الشرق والغرب، فقد كانت السفن القادمة من البحر الأبيض المتوسط تسير فى النيل حتى الزقازيق ومنها إلى البحر الأحمر عبر البحيرات المرة، والتى كانت متصلة به فى ذلك الوقت، وبدأ التنفيذ فعليا، وما زالت آثار هذه القناة موجودة حتى اليوم فى جنيفة بالقرب من السويس.
ونظرا لعدم الاهتمام بالصيانة والتطوير فى تلك الفترة السحيقة، دفنتها الأتربة، وتوقفت، ثم أُعيدت محاولة إحيائها من جديد 6 مرات تقريبا، فى أزمنة تالية، حتى جاء فرمان إنشاء شركة لشق قناة السويس، وبدء تنفيذ الحفر فى 25 أبريل 1859، رغم اعتراضات إنجلترا والباب العالى، إلا أن مصر وبعد رفض دول كبرى حينها دعم المشروع الأضخم، من عينة إنجلترا والنمسا، بدأت خطوات التنفيذ، برأس مال وطنى، وسواعد مصرية.
وتدفقت مياه البحر الأبيض المتوسط فى بحيرة التمساح فى 18 نوفمبر 1862، وكانت وقتئذ عبارة عن منخفض من الأرض، تحُفُّه الكثبان الرملية ويقع فى منتصف المسافة بين بورسعيد والسويس.
ومنذ افتتاحها فى 17 نوفمبر 1869 مرت القناة بمراحل تاريخية وشهدت تطورات وأحداثا كبرى كان من أبرزها قرار التأميم الذى أعاد الحقوق لأصحابها، وتعرضت للإغلاق بعد حرب عام 1967، ثم افتتحت فى يونيو 1975.
ومن خلال هذا السرد المبسط، والمختصر، يتضح أن المصريين هم أصحاب الفكرة والتنفيذ منذ ما يقرب من 4 آلاف سنة تقريبا، لم تكن أمم من التى تتحكم فى مصير العالم الآن، لها وجود على الخريطة الجغرافية، ومنذ إعادة «حفرها» فى العصر الحديث أى منذ 166 سنة، أصبحت القناة «محفورة» على جدران ذاكرة أمة تاريخها ملتصق بوجود الكون، ومدونة فى سجلات التاريخ بمداد الدم المقدس والتضحية بالأرواح، ومرسومة بخطوط حمراء، لا يمكن أن يتجاوزها كائن من كان.
أيضا اتفاقية القسطنطينية، التى أُقرت فى أكتوبر 1888، اعترفت بالسيادة الكاملة لمصر على القناة، مع الإقرار بحرية الملاحة لجميع السفن، أيا كانت جنسيتها، مقابل رسوم دون استثناءات لأحد.
الحقيقة المؤلمة أننا نعيش زمن الابتزاز الوقح من بعض الدول، وتصدير أزماتها الداخلية والاقتصادية للغير، ومحاولة القرصنة على مقدرات الشعوب والدول الأخرى، بغلظ عين وفجاجة، وكأن زمن القرصنة والاستعمار القديم قد عاد من جديد فى نسخة أكثر وقاحة وانحطاطا.
قناة السويس، ليست كمثيلتها البنمية، فهى تمثل للمصريين تاريخا محفورا على جدران ذاكرتهم، ومصدرا للعزة والافتخار، وتأكيدا على امتداد وتجذر عقيدة وثقافة البناء والحفر والتعمير منذ بزوغ الكون حتى الآن، ورافدا مهما للدخل القومى، ورقما صحيحا وقويا فى حركة التجارة الدولية، ناهيك عما أحدثته من نهضة وتنمية شاملة غيرت وجه الحياة فى مدن القناة، لذلك فهى خطوط حمراء، وليست خطا واحدا، تُقدم الأرواح والدماء المقدسة للدفاع عنها وعن كل حبة رمل من رمال أرض الكنانة.
ويتبقى أن الأمم التى تمتلك شعوبا متماسكة، وجيشا قويا قادرا على حماية المقدرات، والوقوف بكل صلابة أمام مخططات ابتزاز وقرصنة وقحة، هى من ترسم مستقبلها.