في كل عام، حين تطل علينا ذكرى تحرير سيناء، تتجدد مشاعر الفخر والعزة، ويعود إلى الأذهان اسم قائد استثنائي، حفر اسمه في صفحات التاريخ بحروف من نور… الرئيس محمد أنور السادات، بطل الحرب والسلام، الذي لم يكن فقط رجل المعارك، بل كان رجل الرؤية، والقرار، والبُعد الوطني العميق الذي تجاوز الانفعالات اللحظية ليصنع مجد أمة.
كثيرون يتحدثون عن حرب أكتوبر باعتبارها المعركة التي أعادت للأمة العربية كرامتها، وهذا صحيح بلا شك، لكن القليلون يدركون أن قرار الحرب في حد ذاته كان مغامرة محسوبة، تتطلب شجاعة نادرة من زعيم اختار المواجهة في توقيت بالغ الصعوبة، وأمام قوة عسكرية غاشمة مدعومة من قوى عظمى، لقد اتخذ السادات القرار منفردًا، مؤمنًا بأن الكرامة لا تُشترى، والسيادة لا تُمنح بل تُنتزع، لكن ما يستحق التوقف عنده بنفس القدر من الاحترام، هو قرار السلام، واتخاذه قرار السلام بشجاعة تساوى نفس قدر قرار الحرب.
ذلك القرار الذي اتخذه السادات بذات الجرأة والصلابة، مدركًا أن النصر العسكري لا يكتمل إلا بنصر سياسي، وأن الدماء التي سالت على ضفاف القناة تستحق أن تُترجم إلى استقرار وازدهار وسلام شامل، لا إلى صراعات ممتدة تستهلك قدرات الوطن وشبابه.
السلام، في عقل السادات، لم يكن ضعفًا، بل كان قمة القوة، كان يعرف أنه كما عبر المصريون القناة بقوة السلاح، يجب أن يعبروا حاجز العداء إلى آفاق البناء والتنمية بقوة العقل..وليس أدلّ على صدق نواياه، من أنه لم ينتظر توقيع الاتفاق النهائي ليبدأ الحلم، بل بدأ التخطيط لتنمية سيناء بمجرد أن استعادت مصر أول حبة رمل منها، وكان يرى في سيناء أكثر من مجرد أرض محررة، بل بوابة للنهضة، ومجالًا حيويًا للتنمية، واستثمارًا استراتيجيًا لموقع مصر الجغرافي.
لقد آمن السادات أن تحرير الأرض لا يكتمل إلا بعمارتها، وأن الدفاع عن التراب لا يكون فقط بالسلاح، بل أيضًا بالمدارس والمصانع والمزارع، والمجتمعات العمرانية التي تزرع في المواطن إحساسًا بالانتماء والمسؤولية.
ولعل المتابع لتاريخ الرئيس السادات يجد أنه كان من أوائل من نادوا بفكرة التوطين والتنمية المتكاملة لسيناء، ووضع خطة واضحة لربطها بباقي محافظات الجمهورية، وتشييد بنية تحتية قوية تؤهلها لتكون مركز جذب سكاني واقتصادي.
اليوم، ونحن نعيش ثمار التحرير، ونرى الدولة المصرية بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي تمضي في مشروع قومي غير مسبوق لإعادة إعمار سيناء وتنميتها، فإننا نكمل ما بدأه السادات، ونفي لوعده، ونرد له الجميل في يوم الوفاء.
لقد حوّل الرئيس السادات الخسارة إلى انتصار، والانكسار إلى عزة، والاحتلال إلى سيادة، وعلّمنا أن الكلمة التي تُقال في الوقت المناسب قد تكون أعظم من الطلقة، وأن الحوار لا يُجدي إلا من موقع قوة، وأنه لا حرب علي طول الخط بل يجب أن يكون للحرب نهاية والسلام هو الحل الوحيد والأجدى.
السادات لم يكن زعيم معركة فقط، بل كان صاحب مدرسة سياسية متكاملة، فقد آمن أن مصر لا تعيش بمعزل عن محيطها العربي، وكان دائم التأكيد على أن المعركة لم تكن فقط لمصر، بل للعرب جميعًا، ولهذا استوعب الغضب العربي عقب اتفاق السلام، ولم يرد عليه بالتحدي، بل بالحكمة، حتى عاد الجميع وأدرك أن السادات لم يبع القضية، بل فتح الباب لحلّها من الداخل.. والأيام أثبتت أن عمي وقدوتي الرئيس والزعيم محمد أنور السادات كان صاحب رؤية سبقت عصره.
إن استحضار تجربة الرئيس السادات في كل عام، لا يجب أن يكون مجرد احتفال أو تذكير، بل درس سياسي ووطني للأجيال الجديدة.
درس في شجاعة اتخاذ القرار، سواء كان القرار هو إعلان الحرب، أو توقيع السلام.
درس في أن القائد الحقيقي لا يرضخ للمزايدات، بل يقود الناس إلى حيث المصلحة الوطنية، حتى وإن كانت الرحلة مليئة بالضغوط والاتهامات.
ودرس في أن تحرير الأرض لا يعني فقط رفع العلم، بل يعني أن يشعر كل مواطن فيها بالأمان والفرصة والانتماء.
لقد كانت سيناء في قلب السادات، ولم تكن مجرد ورقة تفاوضية. واليوم، علينا أن نكون أمناء على هذا الإرث العظيم، وأن نُكمل مسيرة البناء، لا بالكلام، بل بالفعل والمشروعات والاستثمارات والإنجازات.
في الختام، أقولها بكل فخر:
أنور السادات لم يصنع السلام فقط من أجل لحظة سياسية، بل صنعه من أجل أجيال قادمة تعيش على أرض محررة، في وطن آمن، تحت سماء مستقرة.
تحية إلى أرواح الشهداء،
وتحية إلى رجال الدبلوماسية الذين أكملوا المشوار،
وتحية من القلب لبطل الحرب والسلام… الرئيس أنور السادات.