دراسة علمية تكشف عن تاريخ مناخي غير مسبوق للجزيرة العربية
كشفت دراسة علمية حديثة نشرت في مجلة "نايتشر" عن سجل مناخي غير مسبوق استناداً إلى تحليل رواسب الكهوف المستخرجة من قلب الجزيرة العربية، يمتد لأكثر من 8 ملايين عام، إذ كشفت عن أن الأراضي السعودية كانت واحة خضراء قبل ذلك التاريخ.
تاريخ مناخي غير مسبوق
وتظهر هذه الدراسة أن المناطق الداخلية للجزيرة، التي تعد جزءاً من الصحراء العربية –واحدة من أكبر الحواجز البيئية الجغرافية على سطح الأرض– شهدت فترات رطبة متكررة على مر العصور، على رغم الاعتقاد السائد بأنها ظلت جافة باستمرار منذ نحو 11 مليون عام.
الصحراء العربية كحاجز بيئي
تعد هذه الصحراء التي تمتد من الصحراء الكبرى في شمال أفريقيا إلى صحراء ثار في الهند، حاجزاً طبيعياً ضخماً أعاق حركة الكائنات الحية، بما في ذلك هجرات الإنسان القديم وأسلافه بين القارتين الأفريقية والأوراسية، مما أدى إلى تقسيم العالم إلى مناطق بيئية متميزة مثل المملكة الأفروتروبيكية والمملكة القطبية.
أدلة على وجود حياة مائية
وعلى رغم هذا الحاجز الدائم تكشف الأدلة الأحفورية من عصور الميوسين المتأخر (11.7-5.3 مليون عام مضت) والعصر الرباعي (منذ 2.6 مليون عام) عن وجود حياة مائية وحيوانات تعتمد على الماء مثل التماسيح، والخيول، وفرس النهر، والفيلة في المناطق الداخلية للصحراء العربية. كانت هذه الكائنات مدعومة بوجود أنهار وبحيرات خلال تلك الفترات، وهي مظاهر طبيعية اختفت تماماً من المشهد الصحراوي القاحل اليوم.
تغيرات مناخية كبيرة
وأظهرت الدراسة أن هذه الفترات الرطبة لم تكن مجرد ظواهر عابرة، بل كانت متكررة وممتدة، إذ سجلت الرواسب الكهفية في وسط الجزيرة العربية تغيرات مناخية كبيرة على مدى ملايين الأعوام.
تراجع الأمطار وتقلبات المناخ
وتشير النتائج إلى أن الأمطار خلال هذه الفترات الرطبة كانت تتناقص تدريجاً مع مرور الوقت، مصحوبة بتقلبات متزايدة في كمياتها، نتيجة ضعف تأثير الرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي كانت تجلب الرطوبة إلى المنطقة. وتزامن هذا التراجع مع زيادة التغطية الجليدية في نصف الكرة الشمالي خلال العصر الرباعي، بدءاً من نحو 2.6 مليون عام مضت، عندما بدأت دورات التجلد والهدنة الجليدية تشتد، مما أدى إلى تغيرات جذرية في الغلاف الجوي وأنماط المناخ العالمي.
دور الجزيرة العربية في الهجرات البيولوجية
يعتقد أن هذه الظروف الرطبة المتقطعة لعبت دوراً حاسماً في تسهيل هجرة الثدييات الكبيرة بين أفريقيا وأوراسيا، مما جعل الجزيرة العربية بمثابة جسر بيئي حيوي أسهم في التبادل البيئي الجغرافي على نطاق قاري واسع. ومن الأمثلة على ذلك أولى هجرات الإنسان العاقل (Homo) من أفريقيا إلى أوراسيا قبل نحو مليوني عام، والتي تظهر أن الحاجز الصحراوي لم يكن دائماً غير قابل للاختراق.
تحولات بيئية كبيرة
وسلطت الدراسة الضوء على تحولات بيئية كبيرة في النباتات خلال العصر الجيولوجي الحديث المتأخر، إذ انتقلت النظم البيئية من الغلبة النباتية من النوع C3 (مثل الأشجار والأعشاب المحبة للظل) إلى النباتات من النوع C4 (مثل الأعشاب المقاومة للجفاف)، وهو تحول ارتبط بانخفاض مستويات ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي وزيادة الجفاف العالمي.
سجل مناخي نادر
استُخرجت هذه الرواسب من منطقة شديدة الجفاف في وسط الجزيرة العربية، إذ يبلغ متوسط هطول الأمطار نحو 104 ملم سنوياً فحسب، وتتأثر المنطقة بمصدرين رئيسين للرطوبة هما الرياح الغربية متوسطة العرض القادمة من شرق البحر المتوسط خلال الشتاء، والرياح الموسمية الجنوبية الغربية التي تقتصر على الأجزاء الجنوبية من الجزيرة في الصيف. ومع ذلك، تظهر الرواسب أن الرطوبة كانت تصل إلى المناطق الداخلية خلال فترات معينة، مما أدى إلى زيادة الغطاء النباتي وتوافر المياه.
موقع أشباه البشر القدامى
كشف فيصل بيبي وهو عالم كبير في متحف التاريخ الطبيعي في معهد لايبنتز لعلوم التطور والتنوع البيولوجي في برلين، تعليقاً على الدراسة في المجلة نفسها أن الحزام الصحراوي العربي هو أكبر صحراء رملية على وجه الأرض، "عند النظر إليه من الفضاء، تجده عبارة عن بحر واضح من اللون الأصفر يمتد من المحيط الأطلسي شرقاً عبر شمال أفريقيا وإلى شبه الجزيرة العربية".
تاريخ الجزيرة العربية المناخي
ويعد هذا السجل المناخي واحداً من أطول السجلات الأرضية المتوافرة للجزيرة العربية، بل وأحد أطول سجلات السبيليوثيمات في العالم، مما يوفر رؤية جديدة حول تاريخ المنطقة المناخي والبيئي. وتؤكد الدراسة أن الجزيرة العربية لم تكن دائماً صحراء قاحلة كما هي اليوم، بل كانت تشهد فترات رطوبة دورية شكلت تاريخها الحيوي ودورها كمعبر للكائنات الحية عبر العصور.