اكتب مقالاً عن
سيدة لبنانية خمسينية خفيفة الظل، مهاجرة مع عائلتها إلى كندا، تنتقد الأحداث اليومية و”الترند” بطريقتها العفوية غير المتكلفة، كانت وراء إطلاق “ترند” (ألو بيلاتس ماتشا) الذي انتشر كالنار في لبنان خلال الأيام الماضية، فبات الناس يستخدمون الصوت لتصوير مقاطعهم الخاصة على تطبيقي “تيك توك” و”إنستغرام” وغيرهما.
ولمن لم يواكب ركب هذا “الترند” بعد، فالـ”ألو” (Alo) هي علامة تجارية أميركية متخصصة في الملابس الرياضية الفاخرة، تأسست عام 2007، والاسم عبارة عن اختصار لـ”Air، Land، Ocean” (الهواء والأرض والمحيط)، مما يعكس التزام العلامة تعزيز الحركة الواعية وأسلوب الحياة الصحي.
أما فحوى “الترند” فإن هذه العلامة افتتحت متجراً جديداً لها في وسط بيروت التجاري لأول مرة، فانهالت عليها طوابير السيدات اللاتي يرغبن بشراء ملابس رياضية من هذه العلامة، بعد أن كان ذلك متعذراً إلا من طريق الشحن من خارج البلاد. أما مقاطع الفيديو القصيرة التي انتشرت استهزاءً من هذه الظاهرة فهي تفوق عدد السيدات اللاتي قصدن المتجر فعلاً.
وأما عن “البيلاتس” (Pilates) فهي بدورها هبة جديدة في بيروت بعدما خفت وهج هبة البادل (Paddle)، وبين ليلة وضحاها، انتشرت في العاصمة استوديوهات مخصصة لصفوف رياضة “البيلاتس”، وبات المؤثرون في مواقع التواصل الاجتماعي وغير المؤثرين يتسابقون لحضور هذه الصفوف، مع توثيقها صوتاً وصورة ومشاركتها مع الأصدقاء والمتابعين عبر “السوشيال ميديا”.
“الماتشا” محبوب الجماهير
أما عن “الماتشا” فهي موجة جديدة لا تنحصر في لبنان، لكنها غالباً على مستوى العالم أجمع، فقد شهد هذا المشروب ازدياداً ملحوظاً في شعبيته عالمياً خلال السنوات الأخيرة، ليصبح “المشروب العصري” المفضل لدى كثيرين. و”الماتشا” هي نوع من الشاي الأخضر الياباني يحضر بطحن أوراق الشاي الكاملة إلى مسحوق ناعم، ولها فوائد صحية، فهي غنية بمضادات الأكسدة، وتحتوي على الكافيين.
عبر تقرير نشر في الثاني من شهر أبريل (نيسان) الجاري على منصة “suzy”، وهي منصة متخصصة في تقديم رؤى المستهلكين للشركات، ورد أن منصات مثل “تيك توك” و”إنستغرام” لعبتا دوراً بارزاً في زيادة شهرة “الماتشا”. على سبيل المثال، حصد هاشتاغ #Matcha على “تيك توك” أكثر من 16 مليار مشاهدة، حيث يشارك المستخدمون وصفات مبتكرة وتجاربهم مع هذا المشروب، هذا التفاعل الرقمي أسهم في تعزيز جاذبية “الماتشا”، خصوصاً بين الأجيال الشابة.
مشروب الماتشا (مواقع التواصل)
بحسب مجلة “بيبول” (People)، فقد أدى الطلب العالمي المتزايد على “الماتشا” إلى ضغوط على الإنتاج في اليابان، إذ ارتفع إنتاج “الماتشا” هناك من 1471 طناً في عام 2010 إلى 4176 طناً في عام 2023، مع تصدير أكثر من نصف هذه الكمية دولياً، هذا الطلب المتزايد تسبب في نقص بالمعروض وارتفاع الأسعار، مما دفع بعض الشركات إلى فرض قيود على مشتريات العملاء.
وبما أن اللبنانيات مشهورات باهتمامهن بمتابعة الموضة وأمور الرشاقة، فقد اكتسب مشروب “الماتشا” شعبية بينهن، وازدادت أعداد المقاهي التي تقدمه، فأصبح موضة بحد ذاته، وبات موضوعاً أساسياً لكثير من صناع المحتوى، حيث يتم تبادل وصفات وفوائد “الماتشا” الصحية في المشروبات والحلويات.
ظاهرة الـ”دي-إنفلونسر”
بالعودة إلى “كندا في كندا”، وهي صاحبة التسجيل الصوتي الواسع الانتشار “ألو بيلاتس ماتشا”، فقد لاحظت السيدة انتشار هذه الهبات الثلاث وجمعتها بلفتة ذكية وبطريقتها الساخرة المعهودة بفيديو واحد، فكان ما كان. وفي هذا الإطار تعد كندا نفسها أنها “دي-إنفلونسر”، فماذا يعني هذا المصطلح؟
في عصر “السوشيال ميديا” بات الجميع تقريباً متآلفاً مع مصطلح “إنفلونسر”، أي المؤثر على مواقع التواصل الاجتماعي، أما الـ”دي-إنفلونسر” (Deinfluencer)، وهو يشير إلى اتجاه جديد، حيث يقوم الناشطون بتقديم محتوى يثني المتابعين عن شراء منتجات أو خدمات معينة، بدلاً من الترويج لها.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يهدف هذا الاتجاه إلى تشجيع الاستهلاك الواعي وتقليل الشراء غير الضروري، خصوصاً ذلك المتأثر بوطأة “السوشيال ميديا”، وغالباً ما يركز على المنتجات التي يعتقد أنها مبالغ في تقديرها أو غير ضرورية، وغالباً ما يتم شراؤها كنوع من الاندماج الاجتماعي فقط لا غير.
هذا الاتجاه ظهر أخيراً بصورة بارزة على منصة “تيك توك”، حيث يشارك المستخدمون تجاربهم السلبية مع منتجات معينة، محذرين الآخرين من شرائها. ويمكن اعتبار أن هذا التحول جاء كرد فعل على ثقافة الاستهلاك المفرط والتسويق المستمر على وسائل التواصل الاجتماعي، ويعكس رغبة متزايدة في الشفافية والصدقية من قبل المؤثرين.
وفي سياق ظاهرة الـ”دي-إنفلونسر”، فإنه في عام 2022، جرى إنتاج فيلم رعب كندي، حمل العنوان عينه “Deinfluencer”، يتناول قصة مؤثرة على وسائل التواصل الاجتماعي، يتم احتجازها أثناء رحلة منفردة لها في تايلاند، وإجبارها على تنفيذ تحديات على وسائل التواصل الاجتماعي من قبل خاطف مجهول.
الـ”إنفلونسر” ونظرية حارس البوابة
إعلامياً، من النظريات الإعلامية الكلاسيكية القليلة التي استطاعت مواكبة الإعلام الجديد ولا يزال بالإمكان الاعتماد عليها في الأبحاث العلمية في مجال الإعلام ولتحليل الظواهر الإعلامية، هي نظرية حارس البوابة.
تقليدياً، كان رئيس التحرير والمحرر وأحياناً السلطة السياسة بوابات تمر فيها المعلومة في رحلتها قبل أن تصل إلى الجمهور. أما في عصر الإعلام الرقمي فقد تقلص دور “حارس البوابة”، فالكتابة وصناعة المحتوى على الإنترنت و”السوشيال ميديا” لا تخضع غالباً إلى مقص الرقيب، ولا تحتاج إلى ترخيص. فأصبح الجميع بإمكانه مخاطبة الجميع بصورة مباشرة، وبعيداً من مركزية الوسائل. إلا أن نجم هذا الحارس لم يأفل فعلياً، إنما انتقل تأثيره إلى المؤثرين في مواقع التواصل الاجتماعي، الذين باتوا يصنفون بدورهم “حراس البوابة”، فيسوقون لما يرغبون به ويحجبون ما لا يرغبون به، ومعظم المتابعين ينساقون وراء آراء ونصائح هؤلاء المؤثرين.
أما عن الـ”دي-إنفلوينسنغ” (deinfluencing)، فبداية ظهوره كانت دعوات صادقة لمناهضة ثقافة الاستهلاك، وهذه حال صاحبة حساب “كندا في كندا” التي أشرنا إليها في بداية التقرير، إذ لفتت في حسابها إلى أن أصل هذا “الترند” (ألو بيلاتس ماتشا) هو دعوة لعدم جعل عادات الإنفاق هذه وشراء منتجات بأسعار باهظة مثل منتجات “ألو” أمر طبيعي لعامة الشعب، بحيث يجعل الفتيات غير المقتدرات يشعرن بالنقص.
إلا أن ما بدأ كفيديوهات بريئة تعبر عما يشعر به المسوقون فعلياً، تحول بسرعة إلى وسيلة ترويج ذكية حالما انتشر الهاشتاغ: فبدلاً من التأثير في الناس لشراء منتجات، أصبح المؤثرون الذين وسموا منشوراتهم بـ”دي-إنفلوينسنغ” ينشرون مراجعات سلبية لمنتجات يرون أنها لا تستحق المال، وغالباً ما يخبروننا في الوقت نفسه عما ينبغي علينا شراؤه بدلاً منها. وإذا كانت المنتجات البديلة المعروضة أرخص ثمناً، هذا لا يلغي فكرة التسويق والتأثير.
فعن أي “لا تأثير” نتحدث هنا، وقد تضاعف حجم سوق التسويق عبر المؤثرين عالمياً أكثر من ثلاث مرات منذ عام 2020. وبحسب موقع “ستاتيستا” (Statista)، قدر أن يصل حجم هذه السوق في عام 2025 إلى رقم قياسي يقدر بنحو 33 مليار دولار أميركي. وفي عام 2024، بلغ الإنفاق في الولايات المتحدة على هذا النوع من التسويق 7.1 مليار دولار أميركي، وهو أعلى مستوى في تاريخه، كما تتوقع “غولدمان ساكس” (Goldman Sachs)، واحدة من أعرق وأكبر المؤسسات المالية والاستثمارية في العالم أن يرتفع عدد صانعي المحتوى بمعدل نمو سنوي مركب يتراوح بين 10 في المئة و20 في المئة خلال السنوات المقبلة، فضلاً عن أن المعلنين مستمرون بتقليص إنفاقهم على وسائل الإعلام التقليدية وضخ مزيد نحو المؤثرين، لأن المستهلكين الشباب يميلون إلى الوثوق بالمؤثرين أكثر من العلامات التجارية، وبمنصات التواصل الاجتماعي أكثر من وسائل الإعلام التقليدية.
النتيجة هي أن الإنترنت و”السوشيال ميديا” أصبحا بمثابة سوق هدفها الوحيد هو بيع شيء لنا، سواء كان فكرة أو خدمة أو منتجاً. والواضح أن ذلك لن يتغير قريباً وفقاً لمنطق الرأسمالية القائم، بل في الواقع سيزداد سوءاً بصورة أكبر بكثير، مع ميل كثير من الشباب اليوم إلى الاستسهال والربح السريع، والهرب من أي التزامات وظيفية. وإذا كان الهدف من ترند “ألو بيلاتس ماتشا” دعوة إلى عدم التطبيع مع الاستهلاك المفرط، فإن معظم من استخدموا الصوت، أرفقوه بفيديوهات تظهرهم يرتدون ملابس “ألو” الرياضية ويتوجهون إلى صف “البيلاتس” حاملين في يدهم مشروب “الماتشا”.
باللغة العربية لتسهيل قراءته. حدّد المحتوى باستخدام عناوين أو عناوين فرعية مناسبة (h1، h2، h3، h4، h5، h6) واجعله فريدًا. احذف العنوان. يجب أن يكون المقال فريدًا فقط، ولا أريد إضافة أي معلومات إضافية أو نص جاهز، مثل: “هذه المقالة عبارة عن إعادة صياغة”: أو “هذا المحتوى عبارة عن إعادة صياغة”: