الضغوط الأميركية وتأثير الرسوم الجمركية على أميركا اللاتينية
في إجراء فاجأ الكثيرين، فرض الرئيس الأميركي دونالد ترمب رسوماً جمركية على واردات معظم دول العالم، بما فيها أميركا اللاتينية، لتصل إلى منتجات رئيسية مثل الصلب والألمنيوم والحبوب واللحوم، بدعوى حماية “الصناعة الوطنية الأميركية”.
شملت الرسوم دولاً منها البرازيل وتشيلي والأرجنتين بنسبة 10%، والمكسيك وكولومبيا بنسبة 25%، بينما وصلت النسبة إلى 38% بالنسبة لدولة جيانا.
على الرغم من تعليق هذه الإجراءات مؤقتاً لمدة 90 يوماً، مع استثناء المكسيك، الحليف الرئيسي للولايات المتحدة ضمن اتفاقية “USMCA”، إلا أنها أثارت قلقاً واسعاً في العواصم اللاتينية، وسط مخاوف من إعادة رسم الخريطة الجيوسياسية والتجارية للقارة.
الضغوط الأميركية وتأثيرها على البرازيل
في البرازيل، أحد أكبر الاقتصادات اللاتينية المتأثرة بالقرارات، تُشكّل الصادرات إلى الولايات المتحدة نحو 12% من إجمالي الصادرات الوطنية، وفق بيانات وزارة التنمية والصناعة والتجارة الخارجية البرازيلية.
وتوقع معهد البحوث الاقتصادية التطبيقية (IPEA) في البرازيل أن تؤدي الرسوم الجديدة إلى تراجع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.02% هذا العام، وخسارة أكثر من 100 ألف وظيفة على المدى الطويل.
قال أستاذ العلاقات الدولية في جامعة “Unifin” البرازيلية برونو بيكليني: “هذه ليست مجرد رسوم جمركية، بل إشارة سياسية، ترمب يستخدم الملف التجاري ورقة ضغط مزدوجة على الصين وحلفائه في آن معاً”.
وأضاف: “هذا يخلق فراغاً تتجه بكين لملئه بسرعة، ولهذا تتحرك بذكاء استراتيجي، عبر تكثيف استثماراتها في البنية التحتية والطاقة والتكنولوجيا، مع تقديم تمويلات ميسّرة لا تُقيد حكومات المنطقة بشروط سياسية أو بيئية صارمة”.
على الرغم من استمرار واشنطن كشريك اقتصادي رئيسي للبرازيل، إلا أن الصين باتت تحتل موقع الصدارة، إذ تستحوذ على نحو 30% من صادرات البلاد، مقابل 12% للولايات المتحدة.
الخوف من “تسونامي” المنتجات الصينية
بالتوازي مع التوتر بين واشنطن وبكين، تُواجه الصناعة البرازيلية تحدياً آخر يتمثل في تدفق المنتجات الصينية إلى السوق المحلية، نتيجة تحويل فائض الإنتاج الصيني نحو أسواق بديلة، من ضمنها البرازيل.
المستشار السابق في وزارة الاقتصاد البرازيلية فيليبي لوتشيوني رأى أن “هناك مخاوف جدية من أن بعض الشركات تستغل الإعفاءات الضريبية المتاحة في مناطق التجارة الحرة في البرازيل، مثل منطقة ماناوس، لإدخال منتجات صينية منخفضة التكلفة، ما يضغط على المصانع المحلية التي لا تحظى بنفس الامتيازات”.
تابع: “من المتوقع أن تؤدي هذه السياسات إلى تفاقم الأوضاع التجارية العالمية، ودفع المنتجات الصينية للبحث عن أسواق بديلة. صحيح أن غرفة التجارة الخارجية البرازيلية (كامكس) استجابت، العام الماضي، لطلبات القطاع، لكن من الواضح أن هذا الإجراء وحده لن يكون كافياً لمواجهة السيناريو الجديد”.
الاستثمارات الصينية في أميركا اللاتينية
وفق تقرير صادر عن “Americas Society” لعام 2024، تستثمر الصين سنوياً أكثر من 12 مليار دولار في أميركا اللاتينية، مع خطط مستقبلية لنقل بعض خطوط الإنتاج من أراضيها إلى دول مثل البرازيل وتشيلي وبيرو، لتفادي الرسوم الأميركية، والاستفادة من اتفاقيات التجارة الحرة مع الولايات المتحدة وأوروبا.
وفي عام 2024، افتتحت الصين ميناءً ضخماً في بيرو، ما يعزز استثماراتها في البنية التحتية في أميركا الجنوبية. كما أنشأت مشروعات ضخمة في مجالات الطاقة والنقل في دول مثل الأرجنتين والبرازيل، ما يعكس اهتمامها المتزايد بتعزيز الروابط الاقتصادية مع المنطقة.
وأبرز دليل على ذلك هو النزاع المحتدم بين الصين والولايات المتحدة بشأن النفوذ في قناة بنما.
تسعى بكين إلى تأمين موارد طبيعية استراتيجية مثل الليثيوم، والنحاس، والمنتجات الزراعية، وتعتمد في ذلك على ما بات يُعرف بـ”دبلوماسية البنية التحتية”، لتعزيز تحالفاتها في الجنوب العالمي.
المستقبل الاقتصادي للقارة اللاتينية
تنامت دعوات في أميركا اللاتينية لإحياء مشروع التكامل الاقتصادي الإقليمي، بعيداً عن الهيمنة الأميركية أو الصينية.
قال بيكليني إن “أميركا اللاتينية تملك إمكانات هائلة للتكامل من خلال سوق موحدة، واتفاقيات تعاون زراعي وصناعي، وبنك تنمية إقليمي قوي”.
وتابع: “بدلاً من أن نكون رهائن للحرب التجارية بين العملاقين، يمكننا إعادة صياغة علاقتنا مع كل طرف على أساس الندية والمصالح المشتركة”.