دعوة بغداد للرئيس السوري: مسار دبلوماسي يتقاطع مع حسابات الإقليم والداخل
خبير: الدعوة لم تكن مفاجئة… وجرى التمهيد لها مسبقًا
في لحظة سياسية كثيفة الرمزية، أكد رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، رسميًا، توجيه دعوة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع للمشاركة في القمة العربية المقبلة التي تستضيفها بغداد في أيار 2025، لتكون بذلك ثاني قمة عربية يحضرها الشرع منذ تولّيه السلطة عقب سقوط نظام بشار الأسد أواخر العام الماضي.
يقول أستاذ العلوم السياسية، خليفة التميمي، إن "تأكيد السوداني خلال ندوة أقيمت في السليمانية بشأن توجيه دعوة للرئيس السوري أحمد الشرع، لم يكن مفاجئًا، في ظل وجود تفاهمات إقليمية ودولية وضغوط تدفع باتجاه تنسيق مباشر بين بغداد ودمشق". ويضيف: "الخطوة تأخذ بعين الاعتبار أهمية الانفتاح على سوريا وإعادة إدماجها عربياً، خصوصاً في ظل انفتاح خليجي ودولي على المتغيرات التي أعقبت أحداث الثامن من كانون الأول الماضي".
التحوّل العراقي… من الصمت إلى الاستضافة
دعوة الشرع لا تمثل لحظة الانفتاح الأولى على دمشق الجديدة، بل تتوّج مسارًا متدرجًا بدأ بزيارة وزير الخارجية السوري إلى بغداد في آذار الماضي، وهي الزيارة التي أثارت حينها امتعاض فصائل مسلحة وتيارات سياسية بارزة، أصدرت بيانات غاضبة عدّت فيها التعامل مع النظام الجديد "شرعنة لمن قاتلهم على جبهات سوريا"، وهددت بتنظيم احتجاجات في حال تكرار ذلك التعامل.
قمة ثانية للشرع… والعراق يتأخر عن الإجماع العربي
اللافت أن دعوة بغداد ليست الأولى من نوعها للرئيس الشرع، إذ سبق أن شارك في قمة القاهرة الاستثنائية بصفة رسمية، ولاقى ترحيبًا واسعًا من جميع الدول العربية، بما فيها السعودية والإمارات ومصر وقطر، في وقت ظلت فيه بغداد مترددة، بل أقرب إلى موقف طهران التي رأت في صعود الشرع تهديدًا لعمقها في الشام، ولا سيما في ظل خلفيته الفصائلية وتموضعه خارج تحالف "الممانعة التقليدي".
ارتدادات داخلية… تهديدات بلا نفوذ؟
لكن التحوّل العراقي لم يكن بلا ثمن داخلي. فإلى جانب التهديدات العلنية من بعض الفصائل المسلحة عقب زيارة وزير الخارجية السوري، صدرت تصريحات مبطّنة من شخصيات سياسية ضمن قوى "المقاومة" تحذّر من "التطبيع مع نظام غير شرعي"، متوعدة بـ"التحرّك الشعبي لوقف هذا المسار". وفي ظل هذا التوتر، فضّلت الحكومة العراقية عدم الدخول في سجال مباشر، وواصلت تفعيل قنوات التواصل مع دمشق، في ما بدا رهانًا على تكيّف هذه الأطراف مع القرار السياسي الرسمي، خاصة مع وجود غطاء عربي واسع.
الأمن أولًا… فوق الاصطفافات
في خلفية المشهد، يظل الهاجس الأمني هو المحرّك الأعمق للدعوة. فالعراق، الذي يتشارك أكثر من 600 كلم من الحدود المعقدة مع سوريا، لا يستطيع إدامة حالة القطيعة، في ظل مخاطر متزايدة تتصل بالمخيمات، والتسللات، وشبكات التهريب، وعودة الخلايا النائمة. وهنا، يبدو الاعتراف الرسمي بالشرع جزءًا من معادلة أمنية أكثر منه مجرّد اصطفاف سياسي.
بغداد تلتحق… والاختبار لم ينتهِ بعد
بانضمام بغداد رسميًا إلى قائمة العواصم التي وجّهت الدعوة للشرع، يكون العراق قد تخلى – نسبيًا – عن حيادٍ معقّد لم يعد واقعيًا. لكنه، في الوقت ذاته، دخل اختبارًا داخليًا لا يخلو من ارتدادات. فالقبول الإقليمي بشرعية النظام السوري الجديد لا يُنهي تلقائيًا الخلافات الداخلية، ولا يلغي الذاكرة القتالية التي ما زالت حيّة في عقول فصائل تقاتلت مع الشرع على الأرض نفسها قبل سنوات فقط.
وإذا كانت قمة بغداد الثانية للشرع، فهي القمة الأولى التي تحضر فيها سوريا الجديدة إلى قلب الميدان العراقي، بشخص رئيسها، لا برسائلها.