تحدي الباراسيتامول: ظاهرة خطرة تهدد الشباب الجزائري
مع تزايد اندماج الشباب والمراهقين الجزائريين في منصات التواصل الاجتماعي، تتصاعد المخاوف من التحديات الخطرة التي تنتشر عبر تلك القنوات، مهددة الصحة العامة والقيم الاجتماعية. أخيراً، اجتاح "تيك توك" تحد مثير للقلق يدعى "تحدي الباراسيتامول القاتل"، إذ يتورط المشاركون، خصوصاً المراهقون، في تناول جرعات زائدة من عقار الباراسيتامول سعياً وراء زيادة عدد المشاهدات أو الحصول على الشهرة.
اتجاه جديد
انتشر الترند الجديد تحت اسم "من يأخذ أكبر كمية باراسيتامول… يفوز بالتحدي!" وسط طلاب المدارس والثانويات على مستوى العالم في أوروبا وأميركا بغرض التباهي بقوة التحمل، وسرعان ما انتقل بسرعة إلى الدول العربية ومنها الجزائر.
يعرف الباراسيتامول في بعض الدول باسم الأسيتامينوفين، وهو دواء يستخدم على نطاق واسع كمسكن للألم وخافض للحرارة. ويتسم هذا المركب الكيماوي بفعاليته العالية في تخفيف الألم البسيط والمتوسط، ويعتمد عليه ملايين الأشخاص في علاج أعراض مثل الصداع والحمى، لكن تناول جرعات زائدة على الحد الموصى به قد يسبب مضاعفات قاتلة.
تداولت المواقع الإلكترونية ومنصات التواصل الاجتماعي خبر إصابة تلميذ داخل محافظة المدية (83 كم جنوب العاصمة الجزائر)، بأعراض الاستهلاك المفرط لدواء الباراسيتامول ونُقل بسرعة إلى المستشفى، مما تسبب في حال هلع لدى الأولياء والسلطات على حد سواء.
استنفار حكومي
سرعان ما أثار الترند استنفار وزارة التربية الجزائرية التي أبرقت بمنشور مستعجل إلى المديريات في كامل المحافظات، تحذر فيه من تداعيات وعواقب هذه الظاهرة.
وذكرت الوزارة في منشورها أنها سجلت تحدياً غريباً تحت وسم "تحدي الباراسيتامول" بين أوساط التلاميذ، ويتمثل في تناول جرعات مفرطة من الدواء بهدف التباهي أو اختبار التحمل، دون علم بما قد يسببه من تسمم وتلف خطر للكبد وأضرار للكلى والبنكرياس، مما يزيد من خطر الوفاة.
وسجلت مصالح الوزارة في المنشور المطول تغلغل خمس ظواهر دخيلة أخرى داخل المؤسسات التعليمية، لا سيما في مرحلتي التعليم المتوسط والثانوي، باتت تهدد القيم التربوية وتسيء إلى القطاع التعليمي، وتسبب حالاً من القلق وترهن رسالة المدرسة الجزائرية.
ظواهر غير صحية
ويتعلق الأمر باستخدام الهاتف النقال داخل المدارس، ليس فقط من قبل التلاميذ بل الأساتذة، من خلال إقدام بعضهم على التقاط صور وبث مقاطع فيديو عن مجريات التدريس والترويج لها عبر مواقع التواصل الاجتماعي، من دون الأخذ في الحسبان موقف أولياء التلاميذ من نشرها أو نشر صور أبنائهم ولا المسؤولية الجزائية التي تترتب عليها.
أما الظاهرة الثانية فهي استهلاك مشروبات الطاقة وانتشاره في أوساط التلاميذ، خصوصاً أثناء فترات الاختبارات بحجة أنها تمنحهم النشاط والتركيز اللازمين لمتابعة الدراسة، على رغم التوجيهات المتعلقة بأخطار استهلاكها على الصحة.
استجابة سريعة
واستجاب الصيادلة لتعليمات وزارة الصحة، إذ أكدت الجمعية الوطنية للصيادلة الجزائريين أن هذا التحدي الخطر يدفع بعض الشباب إلى تناول جرعات كبيرة من دواء الباراسيتامول، مما يعرض حياتهم لخطر شديد.
وأوضح بيان للجمعية، أن تناول جرعة زائدة من هذا الدواء قد يؤدي إلى تسمم خطر في الكبد وفشل حاد في وظائفه، بل ويصل إلى خطر الموت خلال ساعات قليلة فحسب.
أخطار صحية
ودخلت وزارة الصحة على خط الأزمة، وأصدرت بياناً حذرت فيه من الأخطار المحتملة نتيجة الإفراط في تناول دواء الدوليبران (مادة الباراسيتامول)، مؤكدة أن هذه الممارسات تشكل تهديداً حقيقياً للصحة.
ودعت من خلال التعليمة رقم 396 المؤرخة خلال الـ13 من أبريل (نيسان) 2025 جميع مديري الصحة في الولايات إلى التحلي بأقصى درجات اليقظة، والتكثيف من جهود الوقاية والتوعية وبخاصة على مستوى الوسط المدرسي، مذكرة الأولياء خصوصاً بضرورة التحسيس حول هذه الظاهرة غير المعتادة، داعية الصيادلة إلى الانتباه الشديد والمشاركة في حملة تظهر مساوئ الاستعمال السيئ والمفرط لهذا الدواء من دون مراعاة الشروط الطبية.
ظاهرة دخيلة
وانخرطت المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك في مساعي التوعية بخطورة الظاهرة وعدتها غريبة ودخيلة على المجتمع الجزائري، الذي يعد حفظ النفس إحدى مقاصد الشريعة التي آمن بها.
وأوضحت المنظمة في بيان لها أن "ظاهرة التحدي التي يروّج لها، تخفي ضعف شخصية وقلة نظر من خلال تناول جرعات كبيرة من دواء باراسيتامول لإبراز المقاومة الجسدية ومواجهة الخطر، حسب مزاعم طائشين ومتهورين غربيين أطلقوا هذا التحدي السخيف".
نفسياً التحدي يشكل خطراً
ويرى متخصصون في علم النفس أن "تحدي الباراسيتامول" يستهدف الهشاشة النفسية، فبالنسبة إلى شخص يعاني الاكتئاب أو تخطر له بعض الأفكار الانتحارية، تزيد هذه التحديات من احتمالية الخطر في ما يخص تصرفاته.
ويضيفون أن معظم متابعي هذا الترند مراهقون، أي إنهم في مرحلة إثبات الذات والاندفاع، وحب المغامرة والتجريب وغالباً ما يكونون في حاجة إلى القبول الاجتماعي، وهو ما يفسر المسارعة إلى تبني مثل هذه الاتجاهات على رغم خطورتها، ويقعون تحت ضغط المقارنة إذ يحقق بعضهم مشاهدات عالية وتفاعلاً كبيراً، من ثم يؤثر ذلك في تقدير المراهق لذاته وتقل ثقته بنفسه.
استغلال للمراهقين
يقول المتخصص في الصحة العامة محمد كواش إن تحدي الباراسيتامول قاتل، يُستغل فيه المراهقون خصوصاً بهدف جلب الاهتمام والتميز عن الآخرين.
وأوضح كواش في تصريح لـ"اندبندنت عربية" أن هذا التحدي لا يختلف عن باقي التحديات الخطرة التي انتشرت خلال وقت سابق، على غرار لعبة الحوت الأزرق وتحديات صعود الأماكن الوعرة والسباحة والقفز في البحر، وتسلق الأعمدة الكهربائية.
دواء في متناول الجميع
وأشار كواش إلى أن عقار الباراسيتامول يعد الدواء الأكثر استهلاكاً في العالم، وله استعمالات كثيرة ومتنوعة ويوصف للعلاج أو التخفيف من آلام الحمى والرأس والعظام، والأذن والأسنان والكسور وبعض أنواع السرطانات والاضطرابات النفسية، ومختلف أنواع الآلام الأخرى.
وأضاف كواش أن "الباراسيتامول هو الأكثر وجوداً في السوق والأكثر تداولاً في المنازل، إذ يباع حتى من دون وصفة طبية، مما يجعله في متناول الجميع".
أعراض فرط الاستهلاك
وبخصوص أعراض التسمم بالباراسيتامول، أوضح كواش أن الخطر يبدأ بعد استهلاك من سبعة إلى 10 غرامات، لتظهر الأعراض بعد 24 ساعة ومنها التقيؤ والغثيان