تدهور السوق العقاري في كردستان: أزمة اقتصادية وسياسية متشابكة
بغداد اليوم – السليمانية
في الوقت الذي تتصاعد فيه التحذيرات من تعمّق الأزمة الاقتصادية في إقليم كردستان، يعاني سوق العقارات من شلل شبه تام، وسط غياب الزبائن، وتوقّف عمليات البيع والشراء، وتراجع ثقة المواطن والمستثمر على حد سواء. لم يعد السوق العقاري في الإقليم مؤشراً على التطور العمراني، بل صار مرآة لانسداد سياسي مزمن، وأزمة مالية أكلت مدّخرات الناس، وأصابت رؤوس الأموال بالخوف والجمود.
ركود السوق من الداخل… مكاتب خاوية وصفقات متوقفة
مشهد متكرر في أربيل والسليمانية ودهوك: مكاتب عقارية فارغة، عروض بيع متزايدة، وطلبات شراء تكاد تختفي. يؤكد أصحاب المكاتب أن السوق دخل مرحلة "الغيبوبة الاقتصادية"، وأن حركة السوق تراجعت بنسبة تصل إلى أكثر من 80% مقارنة بالسنوات الماضية.
ويقول بعضهم إن المنازل التي كانت تُباع في أيام، باتت تبقى معروضة لأشهر دون جدوى، مضيفين أن "سوق العقارات لن يتحرّك ما لم تُحلّ الملفات الكبرى في الإقليم".
تشخيص الأزمة… خبير اقتصادي: الثقة ضاعت قبل المال
الخبير في الشأن الاقتصادي، فرمان حسين، يقدّم تشخيصًا أدق لحالة السوق، قائلاً: "الركود الحالي ليس وليد اللحظة، بل نتيجة تراكمات اقتصادية مريرة، بدأت منذ سنوات، وتفاقمت مع الأزمة المالية الراهنة". ويضيف أن "العام الحالي شهد هبوطًا غير مسبوق في تداول العقارات، والسبب الرئيسي هو غياب الثقة – لا السيولة فقط".
ويتابع حسين: "الموظف في كردستان اليوم لا يفكر في تحسين وضعه السكني أو بيع منزله وشراء آخر، لأنه مشغول بتأمين الأساسيات. أما التجّار والمستثمرون، فهم خارج السوق تمامًا، لأنهم لا يثقون بالوضع العام، ولا توجد مؤشرات مطمئنة على المدى القريب".
السياسة في قلب الأزمة… وحكومة لم تُشكّل بعد
لكن التراجع العقاري لا يُفهم بمعزل عن الأزمة السياسية التي تعصف بالإقليم. فمع استمرار الخلاف بين الحزبين الكرديين، وتعطّل تشكيل الحكومة الجديدة، دخلت مؤسسات الإقليم في حالة من الجمود الإداري والسياسي، ما انعكس مباشرة على الاقتصاد، والعقار أول من يتأثر بذلك.
يُشار إلى أن تشكيل حكومة الإقليم تأخّر لأكثر من عام، ما أدّى إلى ترحيل القرارات الاقتصادية الكبرى، وإرباك عمل الدوائر الخدمية، وتعليق عشرات المشاريع العمرانية والاستثمارية، التي كان يُعوّل عليها لتحريك السوق.
متى يتعافى السوق؟
لا يبدو أن سوق العقارات في كردستان سيتعافى قريبًا، ما لم تتوفر جملة من الشروط المتداخلة، بحسب ما يؤكد الخبراء. أولها انتظام صرف رواتب الموظفين في موعدها، وثانيها وجود رؤية اقتصادية واضحة من حكومة مستقرة، وثالثها بناء الثقة العامة من جديد. فالعقار ليس مجرّد بيوت تُشترى وتُباع، بل هو مؤشر عميق على استقرار المجتمعات… والإقليم اليوم يفتقر إلى هذا الاستقرار في عمقه السياسي والمالي.