العلاقة بين العراق وإيران: تحليل للتبعية الاقتصادية والسياسية
الخلفية التاريخية
منذ سقوط نظام صدام حسين في عام 2003، أصبح النفوذ الإيراني في العراق واقعًا ملموسًا. وجدت طهران فرصة ذهبية لتعزيز حضورها عبر دعم قوى سياسية ومسلحة قريبة منها في الفوضى السياسية والأمنية التي أعقبت سقوط النظام. بدايةً، كان هناك من يرى هذا النفوذ على أنه امتداد "طبيعي" للعلاقات التاريخية والدينية بين البلدين، لكن سرعان ما تحول إلى تبعية سياسية واقتصادية جعلت العراق مرتبطًا بإيران بدرجة يصعب فصله عنها دون تكلفة باهظة.
الاقتصاد العراقي: التبعية لإيران
العقوبات الأمريكية الأخيرة على المصارف العراقية وإلغاء استثناءات استيراد الغاز من إيران لم تكن مفاجئة، بل نتيجة طبيعية لعجز الحكومات العراقية المتعاقبة عن تنويع مصادرها الاقتصادية والطاقة. يعتمد العراق على إيران في ملف الطاقة بسبب غياب الرؤية الاستراتيجية في تطوير حقول الغاز المحلية، مما جعل البلاد في موقف ضعيف أمام أي تغيير في السياسات الأمريكية تجاه طهران. يجد العراق نفسه أمام خطر أزمة طاقة غير مسبوقة مع إلغاء الإعفاءات الأمريكية، حيث لا توجد بدائل جاهزة لتعويض الغاز الإيراني، ما قد يؤدي إلى انقطاعات كهربائية واسعة النطاق في الصيف القادم.
الإعلام العراقي في دائرة العقوبات
عندما بدأت تقارير تتحدث عن احتمال فرض عقوبات أمريكية على بعض وسائل الإعلام العراقية، بدا الأمر وكأنه خطوة جديدة في سلسلة الضغوط الأمريكية على بغداد. ترى واشنطن في الإعلام العراقي أداة لتعزيز النفوذ الإيراني، وهو ما دفعها إلى التفكير في تقييد القنوات الممولة من طهران أو المدعومة منها. هناك مؤسسات إعلامية عراقية تعمل كأمتداد للآلة الدعائية الإيرانية، وهذا يجعلها عرضة للعقوبات، وربما تسعى واشنطن إلى ملاحقة مصادر تمويلها وفرض قيود على العاملين فيها.
السياسة العراقية: عدم قدرة بغداد على المناورة
رغم التغييرات السياسية التي شهدها العراق، بقيت الطبقة الحاكمة أسيرة توازنات إقليمية ودولية تجعلها غير قادرة على اتخاذ قرارات جريئة تفك ارتباط البلاد بالمحاور الخارجية. كل حكومة عراقية منذ 2003 كانت تدرك أن الخروج من دائرة النفوذ الإيراني يتطلب قرارات شجاعة، لكن المشكلة أن القوى السياسية التي تتحكم في المشهد لديها مصالح مباشرة مع طهران، ولذلك فإن أي رئيس وزراء يجد نفسه مقيدًا ولا يستطيع الخروج عن الخطوط الحمراء التي رسمتها هذه القوى.
مستقبل العلاقة بين العراق وإيران
مع استمرار الضغوط الأمريكية وتصاعد العقوبات، يبدو العراق اليوم أمام اختبار صعب: إما أن يجد طريقة لفك ارتباطه التدريجي بإيران، أو أن يبقى رهينة للتجاذبات بين واشنطن وطهران، ما يعني استمرار الأزمات الاقتصادية والسياسية في المستقبل. يتعين على العراق أن يجد مسارات بديلة لإعادة بناء اقتصاد مستقل وتصحيح مسار سياسته الخارجية لتفادي استمرار التبعية لإيران والتأثر بمواجهاتها مع الولايات المتحدة.